الأحد، 23 فبراير 2014

قصة الشمالية مع الجنوبي (3)

وبينما هما مستغرقان في التفكير،



شاهدا القبيلة تقترب منهما، فشعرت الشمالية بالخوف، والضيق، إنها تخشى أن تؤثر القبيلة على زوجها، فتمنعه من السفر، او أن يعطلون الرحلة بكثرة الاسترخاء،



لكن الجنوبي ما أن رآهم حتى شعر بالفرح، شعر بالسعادة الغامرة، وكأن الحياة عادت إليه من جديد،



إنه بحاجة إليهم، فقد شعر بالوحدة والبرد القارس عندما تركهم، الشمالية التي علق عليها الأمال لم تعوضه شيءا فقط عذبته، وتركته يتألم بردا،



إنها قاسية لا تشعر به، إنها جونكر لا تكاد تتعب،



إنها مخيفة في الوحشة، فهي لا تقترب ولا تحب ولا تود،



إنها لا تفكر سوى في نفسها،



تريد العودة إلى موطنها، إلى عالمها، حتى ولو كان على حساب حياتي أنا الجنوبي المسكين،



إنها مجرد وحش كاسر يختبأ تحت هذا المظهر الأنيق،




وعندما التقى بالقبيلة حياهم، وسألهم: كيف وصلتم إلى هنا....؟؟



قالوا: لقد فكرنا في كلام الشمالية، ورأينا أن كلامها صحيح، علينا ان نتحرك، فلحقنا بكم، ...؟؟



أين هي كي نشكرها...







فكر الجنوبي في كلامهم، وقال في نفسه: نعم هي خير من يفكر، لكنها لا تكاد تشعر بالأخرين إننا على لحم بطننا منذ الأمس وأني استغرب قدرتها على مواصلة العمل بلا طعام،




ثم قال لهم: إنها تعمل هناك، إنها تصعد الجبل، لترى الطريق الذي سنسلكه غدا،



فقالت القبيلة: ياه، تلك امرأة جسورة، هنيئا لك بها،



فقال الجنوبي في نفسه ليتكم تعلمون ما أنا فيه من هم،




لكن أحد افراد القبيلة الحكماء سأله: مابلك تبدوا متعبا، ولونك ازرق، وكأنك تموت، ..



فأجابه: إني اعاني البرد القارس بحق يا جدي، إني متعب،



فقال له الحكيم: تزوج من اخرى، أنت بحاجة إلى هذا الزواج، ....



الجنوبي: نعم انا بحاجة، لكني لا ارغب في جرح مشاعرها فهي حساسة، وأقل امرا يجرحها، لست اعرف كيف اتصرف لألبي احتياجاتي بدون أن اجرحها، ليتها تفهمني ليتها تعرف احتياجاتي..






فقال الحكيم: تزوج سرا.....




لكن الجنوبي فكر كثيرا، إنه رقيق القلب، لا يحب أن يجرح احدا،



وفي نفس الوقت يحبها، ولا تهون عليه،



ولكنه يكاد يموت من برود مشاعرها،




يكاد يقتله البرود




وكان الجنوبي المحب الجميل الطيب القلب الشهم يقاوم كل الألم الذي يعتريه من شدة البرد،



ويتظاهر امام القبيلة بأنه دافء وبخير،



حتى اوهنته البرودة، وصار يتحرك بتعب شديد،



وبات مريضا،



وكانت إحدى فتيات القبيلة الطيبات الجنوبيات تعتني به



كانت ترمقه بإعجاب،



وكان يتجاهلها احتراما لزوجته،



لكنها تعود لتثير حاجته عبر كلمات طيبة،



وكان يقاوم،



وكان يحاول التقرب من شماليته الحسناء،



التي لم تكن تفكر سوى في كيفية طي الطريق للوصول إلى الغابة، ....


حاول الجنوبي أن يلفت انتباه الشمالية إلي حاجته الاساسية لكنها لم تفهم،


إنها لا تفهم سر هذه الرغبة في الحب، والمودة،


إنها ذات جهاز عصبي ساخن، إنها فرن متحرك، لا تشعر بالبرد ولا تحتمل الالتصاق ولا الحب بشكل متواصل،



فماذا يفعل الجنوبي المسكين...؟؟



كان الجنوبي ينهار يوما بعد يوم، حتى سقط في غيبوبة بينما الشمالية كانت تعمل كعادتها،


ففرزع كل اهل القبيلة إلى نجدته، وبما فيهم تلك الجنوبية الطيبة، التي سارعت إلى احتضانه،


وصارت تغمره بعطفها وحبها المكنون


حتى عادت له الروح،


فقرر اخيرا الجنوبي الزواج للحفاظ على حياته، في هذا الصقيع،


فيلجأ أخيرا إلى الزواج سرا،


وما أن يتزوج حتى يغرق في قلب الجنوبية، التي تضمه بشوق يشبه شوقه، فهي أيضا لا تستطيع العيش بلا هذا الحضن،


إنها دافئة حدا، محبة، وودودة،



إنها لصيقة طوال الوقت،


وكلما غابت الشمالية، كلما هرب الجنوبي إلى زوجته الجنوبية،


ليعوض على نفسه البرد،



باتت الشمالية تلاحظ أن زوجها بات بصحة جيدة، وأكثر نشاطا،


وتفتح للعمل والانتاج،


وصارت لديه الطاقة للعمل معها ايضا،


إنها لا تعلم من أين اكتسب تلك الطاقة،


لكنها فرحت به اكثر، ........!!!!


وبعد فترة وصل الجميع إلى الغابة، حيث الأشجار، والأنهار، والحياة أكثر امنا بقليل من الصقيع




عندما وصل الجنوبيين إلى الغابة،

شعروا بمتعة الانجاز لأول مرة في حياتهم،

وفرحوا كثيرا، وشكروا الشمالية التي قادتهم إلى هذا المكان،

بينما سارع كل فرد منهم إلى اتخاذ احدى الخمائل بيتا، وكل جنوبي أخذ زوجته تحت شجرة يقبلها،


إلا الشمالية، بقيت وحيدة،


أرادت الشمالية بعد كل هذا التعب أن تكافئ نفسها،

أرادت أن تهنأ هي الأخرى أخيرا بحضن زوجها،

لكنها بحثت عنه ولم تجده،

سألت عنه كل فرد في القبيلة،

لكن أحدا لم يخبرها أنه يختبأ تحت الأيكة، حيث يقبل زوجته الجنوبية سرا،


الكل يعلم ولا أحد يخبرها،

إنها الوحيدة التي ما كانت تعلم،


وبينما هي تبحث سمعت صوته،

ثم اطلت برأسها عبر الأيكة لتراه يقبل امرأة يانعة،

تضج وجنتيها بالحياة، وتمتلأ أوردتها بالصحة والعافية،

فأصيبت بالصدمة، وبدأت تصرخ عليه بغضب: ايها الحقير، أيها الدنيء ايها المخادع القذر، أيها الدون، كيف تجرأ، كيف... تخونني وانا التي ضحيت من أجلك أبعد كل ما فعلته لك، أبعد كل ما عانيته معك، ألا يكفي أني تحملت مسؤوليتنا معا، بينما اثرت انت النوم والاسترخاء، الا يكفي اني كنت اعمل ليل ونهار في الوقت الذي لم تفكر فيه إلا في نفسك، أيها الأناني، كم أكرهك، كم أمقتك،


وتركض الشمالية عبر الأدغال، وهي جريحة متعبة، منهكة، حتى بعد كل ما قدمته من تضحية لم تجني سوى الخيانة،


لكن الجنوبي شعر بالأسى لأجلها، وفي الوقت ذاته، لم يعد يفكر في ان يعود إليها، فهي رغم كل شي جميل فيها، تبقى باردة متعبة، وزوجته الجنوبية توفر له الكثير من احتياجاته عليه ان يختار،


لكن افراد القبيلة يقولون له: لا بأس عليك ان تعيدها فهي مهمة، وذات فضل علينا جميعا، اعدها واتركها، مجرد زوجة، هي لن تكلفك الكثير، إنها تعتني بنفسها، وتحد مؤونتها بنفسها، إنها لا تشكل عبئا عليك، اعدها لأجلها مسكينة،


ويبادر الجنوبي إلى ارضائها إنها طيبة وتقبل، لكنها في اعماقها تعتقد بأنها افضل حالا من أن تصبح زوجة اولى، فتقرر أن تدفعه إلى طلاق الثانية،


وهكذا تعمل الشمالية بكل قوة لكي تستعيده، لكنها لا تعرف كيف....؟؟

فتسقط من جديد، إنها تعتقد أنها لو بنت بيتا فسوف تغريه ويعود، فتنهك نفسها في بناء البيت الجديد، لكنه يستمتع طوال ذلك الوقت مع الجنوبية،

وعندما تفرغ من بناء البيت الشمالية، وتطلب أن يقاسمها البيت، يشترط ان تستمع الجنوبية معه بالبيت، فيصيب الشمالية القهر وتموت،

وهكذا ينتصر الجنوبي ويفوز وزوجته الجنوبية بالبيت، ببساطة، وبلا تعب،

فالحياة ارزاق، أمر لم يتيسر فهمه على الشمالية،


لو أن كل شمالية ادركت ان الله هو وحده الأمن لارتاحت،

لو أن كل شمالية توازنت لصانت بيتها، وزوجها ونفسها،




ترى فيما فكرت الشمالية لحظة الموت...؟؟ عندما بدأت روحها تغرغر....؟؟؟

فكرت أن الحياة بكل ما فيها لم تكن تساوي شيءا، وأن الموت سيداهمها في وقته وفي حينه سواء كانت في الصقيع أو في الغابة أو في البيت،

الموت يأتي للإنسان في كل مكان، لا يثنيه شيء،


فكرت كم أنها اهدرت حياتها على امور غير مهمة، في الواقع، فكرت أن الدنيا لم تكن تستحق كل تلك الجدية،

فكرت لو أن الزمن يعود إلى الوراء لو أن الله يمد في عمرها فتعوض على زوجها الألم،

تريد أن يعود الزمن إلى الوراء فتهتم بمشاعرها اكثر، وبزوجها اكثر، وتنجب اطفالا يملؤون عليها الدنيا،

وتحب اطفالها ولا تعصب عليهم،

ياه الحياة تافهة، تافهة،

الحياة لاشيئ

إن الجنوبي وحده يدرك أن الحياة لا شيء،




عاش الجنوبي والجنوبية في البيت الذي بنته الشمالية، والذي لم يكن مكتملا،

وبعد مدة من الزمن، سقطت بعض الأسوار، وتهاتكت الجدران


لكن الجنوبي أهملها، ولم يفكر في اصلاحها،

والجنوبية زوجته لم تهتم ايضا،

كان الأطفل يلعبون في فناء الدار،


بينما كان الشمالي وزوجته الشمالية ( ان كنتم تذكرون حكايتهما) يمران من هناك، لا حظا أن الأطفال في خطر،

فقال الشمالي للجنوبي: لماذا لا تصلح دارك، فقد ينهار، وقد تفترس الوحوش طفالك، عليك باعادة بناء الدار،

لكن الجنوبي قال : حسنا، سأفعل ذات يوم،
لكنه لم يفعل،

وذات يوم: سقط السقف على رأس أحد اطفال الجنوبي، بينما هاجم سبع الطفل الأخر،

وهكذا فقد الجنوبي اطفاله،

فمر عليه الشمالي والشمالية وقالا له، ألم ننصحك سابقا،

تعلم الجنوبي الدرس، عمليا، بعد أن خسر فلذات كبده،

بينما لم يتعلم عبر النصحية، فهو لا يستوعب إلا عمليا،

 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق